تلوّث الأفكار البشرية… حين يتحوّل العقل إلى ساحة معركة مفتوحة

تلوّث الأفكار البشرية… حين يتحوّل العقل إلى ساحة معركة مفتوحة
تلوّث الأفكار البشرية… حين يتحوّل العقل إلى ساحة معركة مفتوحة



تلوّث الأفكار البشرية… حين يتحوّل العقل إلى ساحة معركة مفتوحة

بقلم/ رفعت العمده

لم يعد التلوّث خطرًا يهدد الهواء والماء والتربة فحسب، بل تمدّد في صمت ليصيب أخطر ما يملكه الإنسان، وهو العقل، بعدما أصبحت الأفكار المسمومة أكثر فتكًا من أي وباء مرئي.
نحن اليوم أمام تلوّث من نوع آخر، تلوّث يتسلّل إلى الوعي دون استئذان، تُحقن فيه العقول برسائل مشوّهة وأفكار مضلّلة، تُقدَّم بواجهات براقة تحت مسمّيات الحرية أو التنوير أو الترفيه.
تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من مساحات للتقارب الإنساني وتبادل المعرفة إلى مصانع ضخمة لإنتاج الوعي الزائف وترويج السطحية وتلميع التفاهة وتطبيع الانحراف.
خبر كاذب يتكرّر، فكرة مشوّهة تُجمَّل، قدوة فاسدة تُلمَّع، ومع كثرة التكرار يصبح الخطأ رأيًا شائعًا، والباطل وجهة نظر، والجهل جرأة يُصفَّق لها.
الخطورة الحقيقية أن هذا النوع من التلوّث لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يظهر بوضوح في السلوك العام، عنف بلا مبرر، كراهية بلا منطق، وتشكيك دائم في القيم والثوابت.
جيل كامل ينشأ على المقاطع السريعة بدل التفكير العميق، وعلى الصراخ بدل الحوار، وعلى التقليد الأعمى بدل السؤال، فيفقد قدرته على التمييز والتحليل.
تلوّث الأفكار لا يحدث مصادفة، بل يُصنَع بعناية، تخطّط له أجندات، ويغذّيه الجهل، ويحميه الصمت، ويكبر في غياب الوعي والمساءلة.
والسكوت عن هذا التلوّث خيانة للعقل قبل أن يكون تقصيرًا في المسؤولية، لأن تجاهله يعني تسليم الأجيال القادمة لعتمة فكرية بلا بوصلة.
المعركة اليوم لم تعد بالسلاح ولا بالقوة، بل بالوعي، فتنظيف العقول أصعب من تنظيف الشوارع، لكنه أكثر إلحاحًا وخطورة على مستقبل الإنسان.
نحتاج إلى إعلام مسؤول لا مأجور، وتعليم يعلّم التفكير لا الحفظ، وأُسر تزرع القيم وتحمي أبناءها بدل تركهم نهبًا للشاشات المفتوحة.
فإمّا أن نواجه تلوّث الأفكار بشجاعة ووعي، أو نستيقظ يومًا لنجد الإنسان قد خسر إنسانيته… باسم الحرية.

تعليقات